خديعة الاغتصاب الكبرى: كيف ساهمت النسويات الغربيات في خلق التأييد للإبادة الجماعية في غزة
تُظهر هذه الصورة، التي سُرّبت إلى شبكة ”سي إن إن“، فلسطينيين محتجزين في معتقل ”سدي تيمان“ الإسرائيلي السري، حيث تعرّضوا لانتهاكات منهجية، وبُثّت لقطات فيديو للانتهاكات على التلفزيون الإسرائيلي. ورغم المزاعم الإعلامية المتداولة بشأن حالات اغتصاب نُسبت إلى حركة حماس، فإن المدعية العامة الإسرائيلية، موران جيز، تقرّ بعدم وجود أي مشتكيات يزعمن تعرضهن للاغتصاب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. الصورة حصلت عليها شبكة ”سي إن إن“.
أطرح أسئلة محيّرة حول الوضع الحالي للحركة النسوية1: فكيف يمكن للصحافيات النسويات، اللواتي كرّسن جهودهن لكشف حقيقة أضرار أيديولوجية الهوية الجندرية والعنف الجنسي الذكوري، أن يلتزمن الصمت إزاء اغتصاب الجيش الإسرائيلي للنساء الفلسطينيات؟ ولماذا ساهمن في الخطاب التحريضي، المؤيد للحرب الإسرائيلية على غزة، الذي سهلّ وقوع جرائم الاغتصاب؟
على مدى الـ 18 شهرًا الماضية، على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية، استُخدم اغتصاب النساء اليهوديات كأداة مركزية في إضفاء الشرعية على الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. ولم يقتصر الأمر على قتل آلاف النساء الفلسطينيات، بل جرى تحويل أجسادهن المٌجنسنة2 (وأجساد الرجال) إلى ساحات للانتهاك الجنسي لتحقيق انتقام إسرائيل من حماس، ولتنفيذ نواياها الإبادية، ولتهجير الفلسطينيين من أرضهم.
غالباً ما يُستَخدم الاغتصاب كسلاح في الحرب: أولًا، كاستراتيجية عسكرية وسياسية لإذلال ”العدو“ وتأكيد الهيمنة عليه؛ وثانيًا، من الناحية السردية، كاتهام يجرّد العدو من إنسانيته ويبرّر قتله أخلاقيًا. كل الأدلة تشير إلى أن إسرائيل، وليس حماس، هي التي تستخدم الاغتصاب كسلاح في كلا المعنيين.
لقد كشفت الصحافيّات النسويات عن نقطة ضعف جماعية: إذ أيّدن الأيديولوجية الصهيونية وهيمنة الذكور من رؤساء الدول الغربية والسياسيين والمعلقين الثقافيين الذين يُظهرون تجاهلًا قاسيًا لقتل واغتصاب النساء الفلسطينيات. هذا الأمر ليس صادمًا فحسب، بل أعتبره نذير لانحدار أخلاقي لهذه الموجة من النسوية الغربية. إن التعاطف الانتقائي مع النساء اليهوديات واللامبالاة الواضحة تجاه النساء الفلسطينيات يشير إلى مدى تجرّد النسوية من حسّها الإنساني.
يكشف التأريخ لهذا اللحظة المُشينة أخلاقيًا في تاريخ الحركة النسوية، أنها ولدت من رحم الالتزام بالأيديولوجية الصهيونية وتعود جذورها إلى حملة [أنا أيضاً إلا إن كنت يهودية] #Me_too_Unless_UR_A_Jew.
أنا أيضاً، خاصةً إن كنتِ يهودية
في غضون أيام من هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت النسويات اليهوديات الإسرائيليات ما سيتحوّل لاحقاً لحملة نسوية شعبية وأداة خطابية في الترسانة العسكرية الإسرائيلية. كانت الحملة في البداية موجّهة ضد ما تصفه النسويات اليهوديات بـ”الصمت الذي لا يغتفر“ حول اغتصاب النساء اليهوديّات، من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي الهيئة الأمميّة المعنية بـ”المساواة بين الجنسين“ و”تمكين المرأة“.
في أعقاب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، نشرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقريرًا حول الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة. وخلال أسبوعين، شنّت إسرائيل غارات برية وبحرية وجوية. وبينما كان المجتمع الدولي يبحث عن سبل للاستجابة لهذه الأزمة المتصاعدة، أشارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى ”الأثر الجنساني للأزمة“. وقد أدى ”اندلاع العنف والدمار“ إلى تهجير نحو 493,000 امرأة وفتاة من منازلهن، وأسفر عن ارتفاع في عدد الأرامل، وتشكُّل ما يقارب 900 أسرة جديدة ترأسها النساء، بالإضافة إلى فقدان 3,103 طفل لآبائهم. وأكَّد التقرير أن هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع في حال عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
تشكو النسويات الإسرائيليات من أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة كانت مهتمة فقط بالنساء الفلسطينيات ولم تعترف بأن ”مئات النساء الإسرائيليات حُرِقن بوحشية، وقُطِعت رؤوسهن، واغتُصِبن، وقُتِلن، واختُطِفن.“ من الواضح جدًا، أن النسويات اليهوديات الإسرائيليات يصررن على أنه ”بالنسبة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والأمم المتحدة ككل، اليهود غير مهمّين.“ ويقلن إن تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة يشير إلى ”هجوم حماس“ وليس إلى ”هجوم حماس الإرهابي“، مما يعني أن عنف حماس مشروع بطريقة ما. كما أن التقرير بحسب قولهن عمل ”بشكل حثيث وعن عِلم على خلق رواية كاذبة وخبيثة.“ ويشرن إلى أن العنف الجنسي، عندما يُرتكب بشكل منهجي ضد السكان المدنيين، يُعتبر جريمة حرب واضحة المعالم وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك لم تستند الأمم المتحدة إلى هذا النظام. وانطلاقًا من هذا الشعور، انطلقت حملة #Me_too_Unless_UR_A_Jew.

مشهد جوي للدمار في جباليا في شمال غزة. مصدر الصورة: محمود إسليم
هل كانت هذه الادعاءات التحريضية مبرّرة؟ في الواقع، إن ما طلبته ناشطات ”أنا أيضاً“ النسويات من هيئة الأمم المتحدة للمرأة لم يسبق له مثيل؛ فقد سعين إلى تجاوز صلاحيّات المنظمة من خلال تسمية وإدانة مرتكبي العنف الجنسي المزعومين قبل إجراء تحقيق شامل ودون التنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو الهيئة الأممية المسؤولة عن هذا الدور. لم تستثنِ هيئة الأمم المتحدة للمرأة إسرائيل عندما لم تُدن العنف الجنسي ضد النساء اليهوديات، فهي امتنعت بالمثل عن إدانة العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات في بلدان أخرى مثل اليمن وأفغانستان والصومال وليبيا وكولومبيا ومالي. في حين أن الهيئة أدلت ببيانات بشأن الاغتصاب في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا والعراق، إلا أن هذه البيانات صدرت لاحقاً بعد وقوع الحوادث نفسها، وبعد أن أجرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحقيقًا مستقلًا من خلال إرسال فرق تابعة للأمم المتحدة للتحقيق ميدانياً في الانتهاكات وتوثيقها. إن استثناء مجموعة واحدة من النساء – في هذه الحالة، النساء اليهوديات – كان من شأنه أن يكون عملاً غير نسوياً، مهدداً علاقة الهيئة مع العديد من المجموعات النسائية الشعبية التي ترى في هيئة الأمم المتحدة للمرأة المساحة المحايدة الوحيدة التي يحتفظ فيها المجتمع المدني والمجموعات النسائية من جنوب العالمي بصوت.
ومع ذلك، تم أخذ تهمة ”أنا أيضاً“ على محمل الجد. إذ نجحت في توحيد سرديّتين هامتين: السردية الأولى تفيد بأن أن ادعاءات النساء بتعرضهن للاغتصاب لم تُصدَّق تاريخياً. ولكن بفضل حركة #أنا_أيضًا (MeToo) في عام 2017، أدى انتشار شهادات النساء حول تعرضهن للاغتصاب إلى إمكانية تصديقهن اليوم. أمّا السردية الثانية فتقول إن معاداة السامية منتشرة على نطاق واسع، ما يوحي بأن النساء اليهوديات، من بين جميع النساء، لا يُصدَّقن حتى عندما توجد أدلة واضحة على حدوث الاغتصاب.
بغض النظر عن الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة بشأن الأمم المتحدة، فقد تم تبني رواية ”أنا أيضًا“ بالكامل كحقيقة موضوعية من قبل النسويات الأمريكيات. تظاهرت ناشطات ومجموعات نسائية خارج مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، مرتديات بدلات بلون الجلد مع طلاء أحمر متناثر بين أرجلهن، للتعبير عن مزاعم اغتصاب النساء اليهوديات المقتولات والرهائن المأسورات. وأُطلِقت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط باستخدام هاشتاغ #Me_too_Unless_UR_A_Jew، بل أيضاً #Hamas_Raped_MeToo [#حماس_اغتصبتني_أنا_أيضا] مُستهدفةً هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشخصيات بارزة أخرى تعاطفت علناً مع كل من النساء اليهوديات والفلسطينيات (مثل أنجلينا جولي، أوبرا وينفري، ملالا يوسفزاي) بسبب ”صمتهن“ المزعوم.
حوالي 92 بالمائة (436,000) من الوحدات السكنية في غزة مدمرة أو متضررة، بالإضافة إلى 80 بالمائة من المنشآت التجارية. مصدر الصورة: محمود اسليم
!شهادات الرجال وليس النساء
كان هناك عيب متجذر في صميم ادعاء ”أنا أيضًا“؛ فلم تكن شهادات النساء التي قدمت الدليل على الاغتصاب المنهجي المرتكب ضد المدنيين، بل شهادات الرجال. وقد اصطحب أوائل المستجيبين المتطوعين، الصحفيين في جولة إلى مواقع الهجوم وأدلوا بشهاداتهم حول ما وصفوه بحالات اغتصاب، استنادًا إلى وضع وحالة أجساد الضحايا. وقد قُدمت روايات ذات طابع بورنوغرافي، خاصةً من قبل رجلين هما يوسي لانداو ورامي دافيديان. وكلاهما صهيوني ملتزم، ولم يقدم أي منهما أدلة سوى قرائن ظرفية لا يمكن أن تصمد أمام التدقيق في تحقيق رسمي.
يوسي لانداو هو ناشط قومي ديني ومدير عمليات ”زاكا“ في المنطقة الجنوبية. منظمة زاكا هي منظمة تطوعية دينية متطرفة متخصصة في التعرف على الضحايا بعد الكوارث وحالات الطوارئ. المتطوّعون من الرجال فقط، هم الذين يتولّون جمع الجثث والتخلّص منها، وهم يتلقّون تدريبًا محدودًا ويفتقرون إلى المؤهلات المهنية أو الطبية. لم يتم جمع أي أدلة جنائية، ليس فقط بسبب الفوضى التي سادت في الأيام التي تلت المجزرة، ولكن أيضًا لأن منظمة زاكا تولّت نقل الجثث إلى المشارح لدفنها بموجب الشريعة اليهودية الصارمة. وبالتالي، كان من المستحيل جمع الأدلة المادّية على الاعتداء الجنسي، مثل السائل المنوي أو عينات الحمض النووي، مما قوَّض إمكانية اتخاذ الإجراءات القضائية وتحقيق المساءلة والعدالة في الساعات الثمانية والأربعين الأولى الحاسمة.
لاندو هو المسؤول عن بعض الادعاءات الأكثر فظاعة والتي فقدت مصداقيتها فيما بعد، من الاغتصاب إلى قطع رؤوس الأطفال وصولاً إلى الجنين المقطوع عن أمه. ويصف طريقته في تحديد ما حدث للضحايا على النحو التالي: ”عندما ندخل إلى منزل، نستخدم مخيّلتنا. تخبرنا الجثث بالقصص التي حدثت لها“. لم يكن لانداو وحده من استخدم هذا النوع من ”الترخيص الشعري“ حيث أصبح استخدام الخيال وسيلة للتغطية الإعلامية لأحداث 7 أكتوبر فقام الصحفيون من وسائل الإعلام التقليدية والمستقلّة بنسخ ولصق أحداث وهمية، بل وصل الأمر إلى الكذب الصريح في بعض الحالات.
نشأت خلافات حول مصداقية ادعاءات المستجيب الأول. ونظّم الجيش الإسرائيلي عرضاً للقطات (من الهواتف المحمولة الخاصة بحماس وغيرها من الجماعات المتمرّدة) لمجموعة مختارة من الصحفيين. وفي حين قدّمت أدلة واضحة على قتل المدنيين وبالتالي على ارتكاب جرائم حرب، إلا أنها لم تقدّم أدلة على الاغتصاب، بل استخدمت مشاهد الجثث للترويج لروايات الاغتصاب. وفي فيلم لاحق، بعنوان 7 أكتوبر، تم تجميع روايات من وسائل الإعلام البديلة مٌرفقة مع لقطات مقنعة من كاميرات مقاتلي حماس القتلى، وخرائط مفيدة للمنطقة، بالإضافة إلى جدول زمني دقيق. ثم اتَّضح في مقابلات متلفزة، أن لانداو ليس شاهدًا موثوقًا، وهو يذهب إلى حد القول بأن أي شخص يشكّك في صحة روايته يجب أن ”يُقتل مع حماس“.
وفي معرض مناقشته لأحد الادعاءات حول العثور على امرأة حامل ”تم بقر بطنها“ و”طُعن طفلها المتصل بالحبل السري“، أصرّ على أحد المراسلين قائلاً: ”إذا أردت رؤية الصورة، فلديّ صورتها.“ عندما يعتذر المراسل بأنه ”لا يمكن رؤية طفل هنا“، يتلعثم لانداو قائلاً: ”لم نفكر عندما كنا في، لم نفكر، لم نفكر في تصوير كل شيء…“ يوضِّح الفيلم أنه على الرغم من عدم قدرة لانداو على إثبات ادعاءاته الخياليّة، إلا أن هذا لا يعني أن حماس (وغيرها من الجماعات المتمردة) لم ترتكب الفظائع. ووجهة النظر التي يطرحها الفيلم هي أن ”خيال 7 أكتوبر أهم بكثير من الحقيقة.“
يوسي لانداو – مصدر الصورة: سي أن أن
أما الشاهد الرئيسي الثاني فهو رامي دافيديان، مستوطن يهودي تم اعتباره بطلاً بعد ادعائه أنه أنقذ أكثر من 750 إسرائيليًا في مهرجان نوفا الموسيقي، حيث يقول أنه شهد على مشاهد اغتصاب بشعة. وقد برزت أحد ادعاءاته في فيلم دعائي بعنوان ”صرخات قبل الصمت“، حيث يظهر دافيديان على وشك البكاء واقفاً في منطقة مشجّرة في جنوب إسرائيل وهو يقول: ”هذه الأشجار… رأيت فتيات مقيّدات إلى الأشجار هنا وأيديهن موثقات خلفهن.“ يقول دافيديان:
قام أحدهم بقتلهن واغتصابهن والتنكيل بهن هنا عند هذه الأشجار. كانت أرجلهن ممدودة… كل من يرى هذا يعرف على الفور أن الفتيات تعرضن للاعتداء. قام أحدهم بتجريدهن من ملابسهن واغتصابهن. لقد أدخلوا كل أنواع الأشياء في أعضائهن الحميمة، مثل الألواح الخشبية والقضبان الحديدية… أكثر من 30 فتاة قُتلن واغتصبن هنا. اضطررت إلى إغلاق أرجلهن وتغطية أجسادهن، حتى لا يرى أحد آخر ما رأيته. لا يمكن لأحد أن يرى مثل هذه الأشياء.
وقد تبنت وسائل إعلام تقليدية روايات ديفيدان على الفور، إذ أعلنت صحيفة نيويورك تايمز في مراجعة إيجابية للفيلم أن ”رفض الكثير من الناس الاعتراف بما حدث، والذي غالبًا ما يكون مصحوبًا بسخرية من الفيلم، يجعله ضروريًا“. في اليوم السابق، استندت مقالة في صحيفة واشنطن بوست إلى شهادة دافيديان للتأكيد على أنه بالمقارنة مع ”الأضرار الفادحة التي لحقت بالسكان المدنيين في غزة“، فإن ”العنف الموصوف في فيلم ساندبرغ الوثائقي… ينتمي إلى مستوى مختلف من القسوة المتعمدة – بل الشر“. وقد قامت صحيفة نيويورك تايمز بسحب قصة اغتصاب حماس من بودكاست لها بعد فوضى داخلية ناجمة تقارير رديئة الإعداد. يتم هنا تناول الخلافات التي أحاطت بالمقال، إلى جانب الإشكالية الأوسع المتعلقة بتحيّز الإعلام الغربي المؤيد لإسرائيل/المعادي للفلسطينيين.
تشير ”الانتفاضة الإلكترونية“ إلى أن الضحية المزعومة الوحيدة للاغتصاب في فيلم ساندبرغ هي أميت سوسانا، التي احتجزتها حركة حماس لمدة 55 يومًا. وهي لا تدعي أنها تعرضت لاعتداء جنسي في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن أحد محتجزيها أجبرها في إحدى المرات، أثناء أسرها، على القيام بعمل جنسي لم تحدده. وعندما تحدثت لأول مرة إلى وسائل الإعلام في يناير/كانون الثاني 2024، لم تذكر سوسانا أي شيء عن العنف الجنسي. ولم تُقدَّم هذه الرواية علناً إلا بعد أشهر من عودتها من غزة وفي سياق حملة إعلامية شاركت فيها صحيفة نيويورك تايمز، وفيلم ساندبرغ، والحكومة الإسرائيلية. علاوة على ذلك، لم تزعم أي رهينة إسرائيلية أخرى أُُفرج عنها من غزة أنها تعرضت لاعتداء جنسي. وبما أنها لا تزعم وجود أي شهود، فمن المستحيل التحقق من روايتها أو رفضها بشكل قاطع. وليس من الضروري القيام بذلك، لدحض الفرضية الإسرائيلية القائلة بأن قادة حماس أمروا أو نفذوا عمليات اغتصاب منهجية وغيرها من أعمال العنف الجنسي باعتبارها ”جرائم ضد الإنسانية“ و”جرائم حرب“. النقطة الأساسية هنا هي أنه حتى لو اعتبرنا روايتها صحيحة تماماً، فإنها لا تتضمن دليلاً يدعم الاتهام بشن حملة اغتصاب جماعي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أو ضد الإسرائيليين المحتجزين في الأسر بعد ذلك.
كما وُجِّهت انتقادات واسعة لصحيفة لوس أنجلوس تايمز التي اضطرت إلى التراجع عن تقاريرها حول مزاعم إسرائيلية رسمية عن اغتصاب مسلحين فلسطينيين لمدنيين إسرائيليين. كما تعرضت صحيفة نيويورك تايمز لانتقادات لاذعة العام الماضي عندما نشرت مقالاً بعنوان ”صراخ بلا كلمات‘: كيف استخدمت حماس العنف الجنسي كسلاح في السابع من أكتوبر/تشرين الأول“، وهي القصة التي تعرضت للانتقادات الأقسى من قِبَل الأسرة الإسرائيلية التي ظهرت في تحقيق متميّز كتبه كل من جيريمي سكاهيل وريان جريم ودانيال بوجوسلاف من موقع ذا إنترسبت الذين أوضحوا كيف أدت المحسوبية داخل صحيفة التايمز إلى نشر قصة تم التحقيق فيها بشكل رديء ولم تقدّم أي أدلّة تثبت ادعاءاتها العديدة.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حوَّل دافيديان رواياته إلى مصدر دخل، من خلال سلسلة لا حصر لها من المحاضرات المدفوعة في إسرائيل والولايات المتحدة، وربما مئات المقابلات الإعلامية التي ”يكرر فيها مراراً وتكراراً قصصاً لم تكن موجودة“، وفقًا لدراكر. وفي عام 2024، تم اختيار دافيديان لإضاءة الشعلة الوطنية في يوم استقلال إسرائيل، وهو شرف مرموق مُنح له على ضوء ”بطولته“ المزعومة، بعد أقل من شهرين من هجمات حماس. في نيويورك، وقف دافيديان إلى جانب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة الكاذب، جلعاد إردان، الذي سنتعرّف عليه قريبًا.
قام المراسل الاستقصائي الإسرائيلي رافيف دراكر بالتدقيق في ادعاءات دافيديان وأصدر تقريرًا يُفترض أن تبثه القناة 13 الإسرائيلية، يصف فيه مزاعم الاغتصاب بأنها فبركات مُلفّقة. وأعلنت القناة أنها لن تبث التحقيق الآن بسبب ردود الفعل العنيفة والتهديدات بالقتل من قبل المستوطنين الإسرائيليين المتشددين. دافع دراكر عن تحقيقه، مشيرًا إلى أن أكاذيب دافيديان ”لم تكن مبالغات طفيفة“ مثل ”تضخيم عدد الذين تم إنقاذهم بشكل طفيف – لا على الإطلاق“. بل، ”هذه قصص ملفّقة من البداية إلى النهاية. قصص مرعبة لم تحدث أبدًا.“
منذ أن تم طمس التحقيق، لا تزال طبيعة وكمية افتراءات دافيديان غير واضحة. ومع ذلك، فإن ما هو واضح، كما يقول موقع الإعلام البديل، ذا غراي زون، هو أن هذا التحقيق حقق التأثير المنشود. أثناء مشاركته في الحملة الإسرائيلية الساعية إلى خلق التأييد للإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة، حثَّ ”المزارع البطل“ الحكومة الإسرائيلية، في إحدى حلقات البودكاست قائلاً: ”امحوا غزة، لا يوجد شيء جيد فيهم“.
منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 46،707 فلسطينيًا وأصابت 110،265 آخرين. وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد الفعلي للقتلى أعلى من ذلك بكثير. مصدر الصورة: محمد سالم
ذكورية السياسيين
بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول، قدم وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن مبرراته لرفض وقف إطلاق النار من أجل إطلاق سراح الرهائن، بما في ذلك النساء والرجال وطفلين. وأدلى بشهادته أمام لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ حول ما شهده بشأن المذبحة في إسرائيل. ويستشهد، دون أن يذكر مصادره، بمشاهد مروِّعة تهدف إلى توضيح وحشية حماس واستحالة التفاوض مع مثل هذه المنظمة. ويختتم قائلاً: ”هذا هو ما يتعامل معه هذا المجتمع [الإسرائيلي]“. ويوضح النقاط التي أصبحت محورية في القضية ”الأخلاقية“ للإبادة الجماعية: ”لا يمكن لأي دولة أن تتسامح مع العنف الوحشي“، ”لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها”، ”ليس لإسرائيل كل الحق فحسب، بل لديها التزام بالتأكد بأن هذا لن يحدث مرة أخرى”، ”حماس تختبئ في المدارس والمستشفيات مستخدمة المدنيين كدروع بشرية“، و”إن وقف إطلاق النار من شأنه أن يعزّز ما فعلته حماس، وهو ما لن تتسامح معه أي دولة.“
تجاهل الرئيس الأمريكي آنذاك جوزيف بايدن سجّل الوفيات المؤكدة الذي أشار إلى مقتل طفل واحد فقط، وضلَّل مجلس الشيوخ بإعلانه أنه رأى ”صورًا لإرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال.“ وقيل أنه رفض النصيحة بعدم تكرار التقارير التي لم يتم التحقق منها. ولم يمضِ وقت طويل حتى اضطرت كل من شبكة سي إن إن والبيت الأبيض في عهد بايدن إلى التراجع عن ادعاءاتهما. ومع ذلك، تم تداول شهادة لانداو عالميًا.
سارعت إسرائيل وأنصارها إلى تصوير أي شخص يشكِّك في هذه الادعاءات على أنه معادٍ للسامية ومتواطئ في العنف الجنسي ومؤيد للإرهاب. في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، نشر إيلون ليفي، الذي كان آنذاك متحدثًا باسم الحكومة الإسرائيلية، لقطات جوية على تويتر لحشود غفيرة في لندن تدعو إلى وقف إطلاق النار، مع التعليق التالي: ”لا أعتقد أن لندن شهدت مثل هذه المظاهرة الضخمة للمدافعين عن الاغتصاب من قبل.“
أدلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ببيان في نوفمبر 2023، أدان فيه بشكل لا يحتمل اللّبس المجازر التي ارتكبتها حماس، لكنه ذكَّر العالم بأن ”هذا لم يحدث في فراغ“. وكان الرد الإسرائيلي فوريًا، فدعا مسؤولون إلى استقالة غوتيريش، في حين زعمت العديد من منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية واليهودية الأميركية أن الأمم المتحدة أظهرت قدرًا ضئيلًا من التعاطف مع الضحايا اليهود في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، كرّس السفير الإسرائيلي الخاص لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، كل طاقته الدبلوماسية في جمعية الأمم المتحدة لا لإيجاد حل للحرب المتصاعدة، بل لانتقاد الأمم المتحدة بسبب صمتها القاتل فيما يتعلق بالعنف ضد النساء اليهوديات، رابطاً هذا العنف بالهولوكوست. ووصف السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنه اليوم الذي عانت فيه إسرائيل من ”أكثر المذابح وحشية منذ الهولوكوست“. وأصر على أن الفظائع الجنسية لم تكن أعمالاً عشوائية تم تنفيذها بشكل متهور بل هي أعمال خطَّطت لها حماس. ويقول البعض إن هذه المجموعة ”أكثر وحشية… حتى أكثر من النازيين“. كما غرَّد قائلاً إن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ”فقدت كل ذرة من مصداقيتها الأخلاقية“ و”فقدت حقها في الوجود“.
بحلول ديسمبر/كانون الأول، أثار كل من بنيامين نتنياهو وبايدن، اللذان لم يُعرف عنهما سابقًا قلقهما بشأن العنف الجنسي، مبرِّرًا أخلاقيا للحرب باسم الدفاع عن حقوق النساء اليهوديات حتى لا يتعرضن للاغتصاب. لقد استغل نتنياهو خطاب تحرير المرأة لتحقيق أهدافه السياسية الداعية إلى الحرب. وأيد علنًا حركة أنا أيضاً النسوية، مشيرًا إلى أن معاداة السامية متجذرة لدرجة أن المجموعات النسائية ومجموعات حقوق الإنسان ”صمتت لأن النساء يهوديات“. ثم تساءل نتنياهو: ”أقول لمنظمات حقوق المرأة، وحقوق الإنسان، هل سمعتم عن اغتصاب النساء الإسرائيليات، والفظائع الوحشية، والتشويه الجنسي؟ أين أنتم بحق الجحيم؟“
وردَّد بايدن إدانة نتنياهو، قائلًا: ”تقارير عن اغتصاب النساء – اغتصابهن مراراً وتكراراً – وتشويه أجسادهن وهن على قيد الحياة – وتدنيس جثث النساء، وإلحاق إرهابيّي حماس أكبر قدر ممكن من الألم والمعاناة بالنساء والفتيات ثم قتلهن. إنه أمر مروع.“ وتابع: ”لا يمكن للعالم أن يشيح النظر عما يحدث. يقع على عاتقنا جميعًا – الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والشركات – أن ندين بشدة ودون لبس العنف الجنسي الذي يمارسه إرهابيو حماس. دون لبس، دون استثناء.“
وبحلول ديسمبر/كانون الأول، تعرضت هيئة الأمم المتحدة للمرأة لضغوط كبيرة لدرجة أنها أصدرت بياناً أدانت ”بشكل لا لبس فيه“ ”الهجمات الوحشية التي شنتها حماس على إسرائيل“ ودعت إلى ”التحقيق الشامل في جميع روايات العنف القائم على النوع الاجتماعي ومحاكمتها“. ويؤكد البيان أن ”لجميع النساء الحق في الحياة والعيش بأمان والتحرر من العنف.“ لم يتم استرضاء أحد في هذا البيان. السفير الإسرائيلي، الذي كان قد التقط صورًا بفخر مع دافيديان، غرّد ردًا على البيان، مشوّهًا دور هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومنددًا بـ”الإدانة المزعومة“ لحماس وواصفًا إياها كـ”لطخة أخلاقية أخرى على جبين الأمم المتحدة ومنظماتها.“
فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام في مركز التبرعات بمخيم للاجئين في رفح في 27 يناير 2024. مصدر الصورة: ساهر الغرة
حركة أنا أيضاً النسوية
بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وسعت الصحافية اليهودية الأميركية باري وايس دائرة اتهام معاداة السامية في الأمم المتحدة ليشمل جميع المنظمات النسوية، التي لم تدين أي منها ”بشكل لا لبس فيه أهوال“ حماس، التي ”قطعت الأطراف والأعضاء التناسلية، واغتصبت، واعتدت على الجثث“. في يناير/كانون الثاني 2024، ادعت أن ”منظمات حقوق الإنسان الدولية المفترض أنها غير مسيّسة“ لم تعلق على ”قتل واختطاف واغتصاب الفتيات الإسرائيليات من قبل الجماعات الإسلامية“ فحسب، بل إن النسويات اللاتي يتوقع المرء أن يهتممن أكثر من غيرهن – النسويات المشهورات والمنظمات النسائية البارزة – ”لم يقلن أو يفعلن شيئًا تقريبًا“. وقد أجرت مقابلات مع المجموعة الأولى من الرهائن المُفرج عنهن، اللاتي لم تتعرض أي منهن للاغتصاب، ولكنهن قدَّمن، عند استجوابهن، روايات سمعنها عن آخرين. لم يثنها عدم وجود شهادات مباشرة من النساء، فقد شجعتنا على تخيل الاغتصاب الذي ”قد“ يحدث في المستقبل. وأصدرت تحذيرًا، وتكهنت بما يمكن أن تتعرض له الرهائن الأربعة المتبقيات في ”الأنفاق“. وعندما أطلقت حماس سراح هؤلاء النساء خلال وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2025، كن يحصلن على طعام جيد، وظَهَرن مهندمات، وكن قد قضين أسرهن فوق الأرض، ولم يتعرّضن لاعتداء جنسي. على حد علمي، لم تعترف وايس بأن توقعاتها بشأن الاغتصاب كانت بلا أساس.
في المملكة المتحدة، أخذت الصحفية اليهودية هادلي فريمان على عاتقها مهمة معالجة هذا الموضوع. وانتقدت فريمان أيضًا النسويات اللاتي يصدر عنهن أي تحليل مؤيد للفلسطينيين أو معادٍ للصهيونية، وتقدم أدلةً يُزعم أنها دامغة على جرائم حماس الجنسية وهي عبارة عن شهادة من وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن. وفي خطوة تُظهر الافتقار المذهل للأخلاقيات الصحفية، فشلت فريمان في الاستشهاد بكلمات بلينكن بشكل صحيح، عبر استخدام علامتي اقتباس للإشارة إلى أنها تقتبس كلامه. بدلًا من ذلك، واصلت السير على الطريق الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من التغطية الإعلامية عن غزة، حيث يتم أخذ الادعاءات على أنها حقائق، ويتم التخلص تمامًا من علامات الاقتباس والمراجع، ويُقبل ادعاء شخص واحد على أنه حقيقة. تكتب فريمان دون اقتباس مباشر عن ببلينكن، الذي لم يقدم هو نفسه مصدراً لمعلوماته:
تم اقتلاع عيني الأب، وقطع ثديي الأم، وقطع قدم الفتاة البالغة من العمر ثماني سنوات، وقطع أصابع الصبي البالغ من العمر ست سنوات. ثم تم إعدامهم جميعًا، ثم جلس قاتلهم وتناول وجبة الإفطار التي كانت الأسرة تستمتع بها […] تم تقطيع النساء الحوامل، وقطع رؤوس أجنتهن، واغتصاب النساء المسنات.
بعد مقال فريمان، زعمت الصحافية اليهودية البريطانية نيكول لامبرت أيضًا أن النسويات في المملكة المتحدة معاديات للسامية إذا لم يدعمن بشكل فوري وواضح مقترحات النسويات اليهوديات. وتدّعي أنه على الرغم من وجود أدلة دامغة على اغتصاب حماس للضحايا اليهوديات الإسرائيليات، إلا أن لا أحد يصدّقهن. وقد اتخذت المنظمات في المملكة المتحدة، الملتزمة بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات (VAWG) موقفًا ثلاثي الأبعاد لكنه شديد القصور عبارةً عن: التزام الصمت، أو عدم تصديق الضحايا، أو التلميح بأنهن ”استحققن مصيرهن.“ تقتبس لامبرت كلمات أحد المستجيبين الأوائل في زاكا، ”تعرضت امرأة للاعتداء الجنسي بسكين استقر في مهبلها وأزيلت جميع أعضائها الداخلية؛ وتم تكديس النساء الميتات فوق بعضهن البعض في مهرجان نوفا، وتمزقت ملابسهن التي تغطي أعلى أجسادهن بينما كانت مؤخراتهن عارية تمامًا.“
لا يوجد دليل حسّي على وجود عنف جنسي لأن تحقيق المفوضية السامية لحقوق الإنسان لم يكن قد تم إجراؤه بعد، كما لا يوجد دليل على أن النسويات الغربيّات البارزات – بما في ذلك أولئك اللواتي ينتمين أو أسسن حملات لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات- كنَّ غير مباليات بالعنف الجنسي ضد النساء اليهوديات أو يعتقدن أن اغتصاب حماس كان مشروعًا. على نقيض ذلك، تبنَّت معظم النسويات البارزات في المملكة المتحدة نظرية أنا أيضاً بالكامل.
بحلول أوائل ديسمبر 2023، قبل إجراء أي تحقيق رسمي، عكست جولي بيندل نفس الادعاءات التي طرحتها نسويات أنا أيضاً الإسرائيليات. رأت أن الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى قد تجاهلت أو قلَّلت من أهمية التقارير التي تتحدث عن العنف الجنسي خلال الهجوم، مما دفعها إلى إطلاق هاشتاغ #Me_too_Unless_UR_A_Jew. وتؤكد بيندل أيضًا، دون تقديم دليل على النسويات اللاتي تشير إليهن، أنه بينما يدعين إلى وقف فوري لإطلاق النار (ما يعني أنها تعتبر الدعوة إلى وقف إطلاق النار قصورًا أخلاقيًا) ويدنَّ بشدة الهجوم الإسرائيلي على غزة، فإنهن يفشلن في ”إظهار أي تضامن مع النساء الإسرائيليات.“ وهي ”تشعر بالجزع لرؤية من تسمى بالنسويات يلتزمن الصمت حيال الاستخدام الوحشي والواسع النطاق للاغتصاب من قبل إرهابيي حماس، وذلك ببساطة لأن النساء اليهوديات الإسرائيليات هن النوع الخطأ من الضحايا.“ وتقول إنه ”للأسف، فإن النساء الإسرائيليات اللاتي قُتلن بعد اغتصابهن غير قادرات على الإدلاء بشهادة شخصية.“ ومع ذلك، فهي تصر أنها تعلم يقيناً أن النساء تعرضن للاغتصاب استناداً إلى أدلة ظرفية التي وروايات شهود عيان من الرجال.
اعتمدت صحافية التايمز جانيس تيرنر لهجة رقابية مألوفة ضد هيئة الأمم المتحدة للمرأة والمنظمات النسائية البريطانية التي لم يُذكَر اسمها بعد. ووصفت المراوغة بتصديق شهادات النساء اليهوديات بأنها ”غير مبررة ومقيتة“. تعزز فكرة أن الأدلة على الاغتصاب قد تم إثباتها منذ أن قامت حماس بنشرها في كل مكان، من ”الفتيات ذوات الأرجل الممدودة بدون ملابس داخلية ومغطاة بالسائل المنوي“ وصولاً إلى فيديو ”الفتاة التي ترتدي سراويل الركض الملطخة بالدماء.“ وتقول إنه بما أن أدلة السائل المنوي والحمض النووي قد ضاعت وسط الفوضى، ”كل ما يمكننا فعله هو تصديق النساء اليهوديات“. ولكن ما تكرره تيرنر بشكل أعمى ليس شهادات النساء بل شهادات الرجال، حيث تقول: ”أو إذا كان كارهو النساء ومعادو السامية يرفضون ذلك، فإنهم على الأقل يستطيعون تصديق مغتصبي حماس الذين يفتخرون بجرائمهم“. وفي تحوير للحقيقة، تقول إن لقطات حماس (التي عُرضت في العرض العسكري الإسرائيلي) هي ”البورنوغرافيا الانتقامية المطلقة“. لكن الصور البورنوغرافيّة هي تلك التي اختلقها المستجيبون الأوائل، والتي تكرّرت على أنها وصف لجرائم الاغتصاب، وهي ما لم تصوّرها حماس قط، كما سنرى أدناه.
لقد شكّلت الصحفيات النسويات وجهات نظر متابعيهن في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن لأي شخص أن يدّعي امتلاك سلطة للحديث عن إسرائيل/فلسطين، بغض النظر عن مدى جهله بالموضوع. لقد امتلأ المشهد الرقمي بالنساء اللاتي يكررن بصوت عالٍ الرواية النسوية عن فظائع الاغتصاب ضد اليهود باعتبارها صحيحة موضوعياً. تكتب هذه الناشطة النسوية على موقع X: ”قطعت حماس الطفل الحي من بطن امرأة يهودية في 7 أكتوبر بينما كان طفلها يشاهد بيد مبتورة، وطفلها الآخر يشاهد بقدم مبتورة، ولم يتمكن الأب من المشاهدة لأنهم اقتلعوا عينيه.“
وبحلول ديسمبر 2023، تم بناء سردية مؤثرة قالت فيها النسويات البارزات إن على جميع الأشخاص ذوي العقلية الصحيحة – أولئك الذين ليسوا من كارهي النساء ومعاديي السامية والنسويات المزيّفات – أن يمتثلوا دون قيد أو شرط لإظهار الولاء لأخواتنا اليهوديات. يجب أن نصدق كحقيقة موضوعية أن النساء اليهوديات تعرضن للاغتصاب المنهجي ثم القتل، على الرغم من عدم وجود امرأة على قيد الحياة لتخبرنا بذلك؛ ويجب علينا، كبديل للشهادة المباشرة، أن نقبل شهادات الرجال، الذين يمكن لأصواتهم أن تحل محل أصوات النساء؛ وعلينا أن نصدق أن الملابس الداخلية المتناثرة كانت ملطخة بالسائل المنوي، رغم عدم وجود أدلة جنائية تدعم ذلك؛ وعلينا أن نصدق أن حماس التقطت صوراً لنفسها وهي تغتصب، على الرغم من أنه لم يُسمح إلا لمجموعة مختارة من الصحفيين بمشاهدة اللقطات ولم يشاهد أي منهم الاغتصاب.
بعبارة أخرى، ساهمت النسويات في ما وصفته الدكتورة روشاما مارتون، مؤسِّسة منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية، بـ”الإفراط في التفكير“ في الاغتصاب الذي كانت إسرائيل تستخدمه لحشد الرأي العام ضد وقف إطلاق النار معترفة، “من الصعب بالنسبة لي أن أقول ذلك، ولكن [الاغتصاب] يغذي الانتقام والكراهية، إنهما يسيران معًا الآن، لا يوجد أحدهما قبل الثاني، إنهما شيء واحد تقريبًا[…] إنها حرب انتقام، حرب كراهية، وفي هذه الأجواء، يُعد اغتصاب النساء أمرًا بالغ الأهمية. الرجال يسيطرون على هذا البلد، وهذه هي بالضبط اللغة التي يفهمونها. فهي تغذي آلة الحرب.
يمكن رؤية الدبابات وناقلات الجند المدرعة وسيارات الجيب العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي من المناطق القريبة من الخط الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة، بينما تستمر الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت في 7 أكتوبر، دون انقطاع في إسرائيل في 2 يوليو 2024. مصدر الصورة: مصطفى الخروف
تعرّضت النسويات اللاتي انتقدن إسرائيل للتوبيخ والتهميش، من قبل نسويات حملة أنا أيضاً. وقد أعربت منظمة ”ساوث هول بلاك سيسترز“ Southall Black Sisters في بيان لها في 20 أكتوبر 2023 عن أسفها على الخسائر في الأرواح والهجمات العنيفة على الأشخاص ”في غزة وإسرائيل.“ كما عبّرت عضوات المنظمة عن حزنهن إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بما في ذلك ”قطع الغذاء والوقود والإمدادات الطبية والكهرباء والمياه، بما يخالف القانون الدولي.“ قد أعربن عن صدمتهن من التغطية الإعلامية البريطانية للأحداث و”فشل كل سياسي بريطاني تقريبًا في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار“. وشجَّعن الحكومة البريطانية على الدعوة إلى وقف تصعيد الأعمال العدائية والتزام إسرائيل بالقانون الدولي. وشدَّدن على أن مناطق النزاع ”تعزز بيئة مواتية لارتفاع العنف ضد النساء والفتيات والفئات المستضعفة الأخرى… يعيش الفلسطينيون في ظل نظام فصل عنصري، ولا يمكن لمعاناة الملايين من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، أن تنتهي إلا عندما ينتهي الاحتلال الإسرائيلي.“
تقول عضوات ”ساوث هول بلاك سيسترز“ إنهن تعرضن لانتقادات شديدة من قبل النسويات العاملات في قطاع مكافحة العنف ضد النساء والفتيات. وبحلول ديسمبر/كانون الأول، أصدرن بيان متابعة لتبديد أي شكوك بشأن إدانتهن لاستخدام الاغتصاب والعنف الجنسي ”كسلاح من أسلحة الحرب“، لكنهن أكّدن أنه لا يوجد أي مُبرر للمستوى غير المسبوق من القتل منذ بداية القرن العشرين، والذي أثّر بشكل غير متناسب على النساء والأطفال الفلسطينيين. وقد رفضن المنظور الذي أصبح ”يهيمن على السردية السائدة [النسوية]“ وأعربن عن غضبهن إزاء هذا ”التجييش الأيديولوجي“ المُستخدم لإسكات الانتقادات ضد إسرائيل.
لقد كان هناك صمت ملحوظ من جانب من يسمين أنفسهن ”نسويات يساريات“، ليس فيما يتعلّق بالنساء الإسرائيليات، كما تدعي النسويات اليهوديات، ولكن فيما يتعلّق بالأهوال التي يواجهها الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية المستمرة. في فبراير/شباط 2025، وصفت الصحافية النسوية راكيل روزاريو سانشيز كيف أن غالبية النسويات في الشمال العالمي، وخاصة في المملكة المتحدة، سواء على اليسار أو اليمين، باستثناء النسويات البارزات المذكورات أعلاه، كن صامتات بشكلٍ مخزٍ بشأن هجوم إسرائيل على غزة، حيث قلّل كثيرون من خطورة الوضع أو تجنبوا التّطرق إليه. تنتقد روزاريو سانشيز بشكل مباشر ما تسميه ”المعايير المزدوجة داخل الحركة النسوية“ وتلفت الانتباه إلى حقيقة أن ”النسويات يتحدّثن عن حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، لكن الحقوق الفلسطينية لا تزال تمثل أكبر المحرّمات في الحركة النسوية.“ إن دعم الموقف المؤيد للفلسطينيين هو ”أكبر المحظورات“. وقد نُشرت مقالات ساخرة تُمعن في تهميش وتبسيط مواقف المؤيدين لفلسطين، مثل كتابات المعلِّقة الثقافية النسوية ماري هارينغتون، ومقالات لمناصري حرية التعبير الذين يشجبون ثقافة إلغاء لكنهم يسعون في الوقت نفسه إلى إسكات أي انتقاد لإسرائيل، في غياب لمقالات تُبرز تعقيد الوضع السياسي وتتناوله بجدية.
وتشير روزاريو سانشيز إلى أن الأصوات المتعاطفة والمؤيدة للفلسطينيين ”يتم استهدافها وترهيبها وإغلاق أفواهها وتُدفع للالتزام بالرواية المُعدّة سلفًا.“ ليست روزاريو سانشيز غريبة عن تجربة ”الإلغاء“. في حين كانت ذات يوم هدفًا للناشطين المتحولين جنسياً الذين حاولوا إسكات انتقادها لأيديولوجية الهوية الجندرية وما تسببه من تقويض لحقوق النساء، أصبحت مؤخرًا هدفًا للنسويات بسبب آرائها غير المساومة المؤيدة للفلسطينيين ومعتقداتها المناهضة للصهيونية، المحمية قانونًا. تخبرنا من خلال مقالتها في مجلة ذا كريتيك أن النسويات طالبن بفصلها من عملها، وإزالتها من مناصبها، وتشويه سمعتها المهنيّة.
بادرت المعلمة الفلسطينية إسراء أبو مصطفى بإنشاء فصل دراسي في خيمة على أنقاض منزلها المدمر بهدف تعليم الأطفال مع بدء العام الدراسي الجديد، 12 سبتمبر 2024. مصدر الصورة: ساهر الغرة
الاغتصاب من قبل حماس أم بروبغندا فظائع الاغتصاب؟
يصعب بما فيه الكفاية التحقق من العنف الجنسي أثناء الحرب؛ ويصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما يتحوّل الانتقام من العنف الجنسي إلى ذريعة لمواصلة الحرب التي تقتل النساء والأطفال والرجال الأبرياء. كيف يُمكن إثبات صحة أي رواية عندما تنتشر المعلومات المضللة وتتحكم إسرائيل، مدعومة من نسويات مؤدلجات، في الخطاب الذي يغذّي أسوأ شكوك وسائل الإعلام؟
في البداية، منعت إسرائيل الهيئة القانونية المخوّلة بالتحقيق في قضايا العنف الجنسي وحجمه، وهي مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، من أداء عملها. لماذا؟ ووصف السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان، هذه الهيئة بأنها ”داعمة للإرهاب“ وغارقة في ”كراهية اليهود.“ وكلّفت إسرائيل فريقًا بديلًا، بقيادة باميلا باتن، من مكتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع. أمضى فريق باتن أسبوعين في فبراير/شباط 2024 في إسرائيل والضفة الغربية، حيث سيطرت إسرائيل على وصول باتن وفريقها إلى المعلومات، من مواقع وتقارير وشهود.
لم تتمكن باتن من الإجابة على السؤالين اللذين انتظر كثُر إجابات عنهما، وهما: مزاعم العنف الجنسي وحجمه، وهوية مرتكبيه. ولم يكن لدى فريقها تفويض من الأمم المتحدة للتحقيق الميداني في الجرائم الجنسية بل لـ”جمع المعلومات“، فلا يمكن للأدلة التي جمعتها أن تستوفي المعايير القانونية. والأهم من ذلك أنها لم تتمكن من الحصول على شهادة مباشرة واحدة أو مقطع فيديو يثبت مزاعم الاغتصاب الجماعي، ولم تقم بإجراء مقابلات مع أي ناجيات، رغم مناشدتها العلنية لهن للتقدم بشهاداتهم والتحدث بسرية.
بحلول مارس/آذار 2023، أصدرت باتن تقريرًا خلص إلى أنه ”في التقييم الجنائي القانوني للصور ومقاطع الفيديو المتاحة، لم يتم تحديد أي مؤشرات ملموسة على الاغتصاب“. وقالت إنها ”لم تتمكن من تحديد مدى انتشار العنف الجنسي، وأن الحجم الإجمالي لهذه الانتهاكات ونطاقها وإسنادها بشكل محدّد سيتطلب إجراء تحقيق كامل.“ ورغم أن الفريق تحدَّث مع الرهائن العائدين، فإن التقرير لا يشير إلى تعرضهن لاعتداء جنسي. وخلصت باتن إلى وجود ”أسباب معقولة“ للاعتقاد بأن العنف الجنسي قد حدث في عدة مواقع، بما في ذلك ”الاغتصاب و/أو الاغتصاب الجماعي.“ مستندة بذلك، إلى شهادات المستجيبين الأوائل والمعلومات الظرفية. بعبارة أخرى، كانت باتن قد بنَت قضية ضعيفة حول الاغتصاب دون أن تتمكن من التحقيق فيها. وقد تُركت مهمة إلقاء نظرة ناقدة على تقرير باتن لمصادر إعلامية بديلة مثل: جراي زون، والانتفاضة الإلكترونية، وموندويس، وذا إنترسبت، وفلسطين كرونيكل.
لقد كان تقرير باتن بمثابة نقطة مرجعية لفهم العنف الجنسي الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزال كذلك حتى اليوم. وفي جلسة خاصة لمناقشة تقريرها، أصرَّت باتن على أن النتائج التي توصلت إليها تشكل ضرورة أخلاقية لوقف إطلاق النار وحذَّرت من أنه لا ينبغي أبدًا استخدام العنف الجنسي كأداة ”لإضفاء الشرعية على المزيد من العنف في المنطقة“ أو ”لخدمة أهداف سياسية وعسكرية أوسع“. ومع ذلك، فقد تم استغلال مزاعم الاغتصاب التي لم تُثبَت بعد، من قبل جميع وسائل الإعلام في أنحاء العالم لـ”تأكيد“ عمليّات الاغتصاب التي تقوم بها حماس، ومن قبل إسرائيل كدعاية لمواصلة قصف غزة دون عقاب. وغرد إردان قائلا إن التقرير ”… يعترف أخيرًا بالجرائم الجنسية التي ارتكبت خلال مذبحة حماس. هل سيوقظك هذا؟! هل ستفهمون أن وقف إطلاق النار يعني التخلي عن الرهائن الإسرائيليين في غزة ليتعرضوا للاعتداء الجنسي بشكل مستمر من قبل حماس؟“
أجرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحقيقًا رسميًا مستقلاً بحَثَ في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فضلاً عن الجرائم الدولية المحتملة التي ارتكبتها جميع الأطراف في الفترة ما بين 7 أكتوبر و31 ديسمبر 2023. وقد تُوِّج هذا التحقيق بتقرير موسع نُشر في يونيو/حزيران 2024 جاء فيه:
…مراجعة شهادات الاغتصاب التي حصل عليها الصحفيون والشرطة الإسرائيلية، لكنه لا يمكن التَّحقُق باستقلاليّة من هذه الادعاءات بسبب عدم إمكانية الوصول إلى الضحايا والشهود ومواقع الجريمة وعرقلة تحقيقاتها من قبل السلطات الإسرائيلية ولم تتمكن اللجنة من مراجعة النسخة غير المحررة من هذه الشهادات [و] لم تتمكن أيضًا من التحقق من التقارير المتعلقة بالتعذيب الجنسي وتشويه الأعضاء التناسلية. وبالإضافة إلى ذلك، وجدت اللجنة أن بعض الادعاءات كانت غير صحيحة أو غير دقيقة أو متناقضة واستبعدتها من تقييمها. (الفقرة 26، التشديد من الكاتبة)
إن الفيديوهات ذات الطابع البورنوغرافي التي أقر سياسيون وصحفيون بمشاهدتها، غير موجودة، وهي حقيقة أكدتها لجنة التحقيق التي راجعت آلاف الصور وعشرات الساعات من الفيديوهات المصورة التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية أو تم الحصول عليها من مصادر متاحة. كما تناول تقرير اللّجنة بالتفصيل كيف استهدف الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين وأخضعهم بشكل منهجي للعنف الجنسي والعنف القائم على أساس الجنس، بما في ذلك التعرية القسرية العلنية، والتجريد القسري والعلني من الملابس، والتعذيب والاعتداء الجنسي، والإذلال والتحرش الجنسي. وقد قام جنود إسرائيليون بتصوير أنفسهم وهم ينهبون المنازل، ويبحثون في أدراج مليئة بالملابس الداخلية للسخرية من النساء الفلسطينيات وإذلالهن، كما وصفوهن بـ”العاهرات“. وامتد هذا العنف الجنسي والعنف القائم على الجنس إلى الرجال، حيث سلَّط التقرير الضوء على أن الجنود قاموا بتصوير الذكور بشكل متكرر أثناء تعرضهم للتجريد العلني والقسري من الملابس والتّعرية والتعذيب الجنسي والمعاملة اللاإنسانية. وخلصت اللجنة إلى أن العنف القائم على أساس الجنس يهدف إلى إذلال السكان الفلسطينيين ككل والحط من قدرهم.
في أواخر خريف عام 2024، طلبت حماس إجراء تحقيق ثالث من الأمم المتحدة، لكن إسرائيل رفضت ذلك. وتشير باتن إلى أن إسرائيل تعرقل حاليًا الأمم المتحدة عن التحقيق في الجرائم الجنسية، خوفًا من أن يتطلب ذلك منحها إمكانية الوصول للبحث في مزاعم العنف الجنسي ضد الفلسطينيين داخل المعتقلات الإسرائيلية.
وفي الختام، بعد مرور 18 شهراً، لا يوجد حتى الآن أي مشتكية على استعداد للإدلاء بشهادتها بشأن تعرضها للاغتصاب. وفي الواقع، اعترفت المدعية العامة الإسرائيلية موران جيز، في يناير/كانون الثاني 2025 بأنها لم تحدد هوية أي ضحية يمكن إقامة دعوى بشأنها. وتشير إلى أنه، للأسف، هناك فجوة كبيرة بين تصوّرات العامة وما تم تقديمه في وسائل الإعلام، وبين الواقع الفعلي. من وجهة نظرها، فإن سبب هذه الفجوة يعود إما إلى أن الضحايا قد قُتلوا أو أن النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب غير مستعدات للكشف عن ذلك. يبقى أن هذه الحجة المتكرّرة لعدم التعرف على أي ضحايا غير كافية لتفسير النقص التام في الأدلة الجنائية أو البصرية أو شهادات الشهود العيان الموثوقة، خاصة وأن الاعتداءات الجنسية كان من المفترض أنها منتشرة على نطاق واسع في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى درجة أنها خُطّط لها ونُسِّقت ونُفِّذت بشكل منهجي.
فتاة مصابة تعانق شقيقها وتتفقد والدها المصاب في مستشفى شهداء الأقصى بعد قصف إسرائيلي على مبنى سكني في مخيم البريج للاجئين، 4 يونيو 2024. مصدر الصورة: ساهر الغرة
الاغتصاب الإسرائيلي للسجناء الفلسطينيين: “مرحبا بكم في الجحيم”
من المفترض أن النساء الفلسطينيات لسن أقل تردداً أو خجلاً من النساء الإسرائيليات في مشاركة شهاداتهن كضحايا للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي. ومع ذلك، فقد أدلينَ بأنفسهن بالعديد من الشهادات، عن الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، والتي يبدو أن النسويات البريطانيات غير مكترثات بها.
تلا 7 أكتوبر/تشرين الأول عملية اعتقال متسرعة تحوَّل فيها أكثر من إثني عشر سجنًا إسرائيليًا، عسكريًا ومدنيًا، إلى شبكة معتقلات. وتصف ثلاث منظمات حقوقية إسرائيلية رئيسية، بما في ذلك اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وأطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، ومركز المعلومات الإسرائيلي ”بتسيلم“ الذي يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، استناداً إلى البروتوكولات المعتمدة في جلسات المحاكمات، والشكاوى القانونية، ووثائق المحامين، وشهادات المعتقلين، أن سوء المعاملة هو سمة من سمات الاعتقال الإسرائيلي، وهو انتهاك للحظر القانوني الدولي للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة. تعمل هذه الأماكن كمعسكرات تعذيب حيث يُحكم عمدًا على كل سجين بالألم والمعاناة الشديدة.
وقد زادت أعداد النساء المحتجزات في إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، مصحوبة بتكثيف الاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز، وفقاً لفرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة لإسرائيل والأراضي المحتلة. قدَّم مركز المرأة الفلسطينية للمساعدة والمشورة القانونية، وهو منظمة في فلسطين شبيهة بـ مركز عدالة المرأة CWJ الذي شاركت في تأسيسه جولي بيندل في المملكة المتحدة، تقريرًا في شباط /فبراير 2024 إلى الأمم المتحدة. تصف العديد من النساء عمليات التفتيش الجائرة حيث يتم تعرية المحتجزات لفترات طويلة، ويُطلب منهم فتح سيقانهن واتخاذ أوضاع مهينة بينما ينظر الحراس الذكور إليهن وهم يستمنون أو يهددون بالاغتصاب. وأفادت النساء بإجبارهن على خلع ملابسهن والوقوف عاريات أمام العلم الإسرائيلي. وذكرن أيضاً أن الجنود التقطوا لهن صوراً مهينة ووضعوها على الإنترنت. هذه الصور هي شكل من أشكال الابتزاز. وقد قالت إحدى النساء إن الجنود قالوا لها: ”لن يتزوجك أحد، ولن يلمسك أحد بعد أن يروا ما فعلناه بك“.
مرحبًا بكم في الجحيم هو إسم تقرير أعدته منظمة بتسيلم للتحقيق في أوضاع السجناء في مراكز الاحتجاز منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد كشف عن سياسة منهجية ومؤسساتيّة تتمحور حول الانتهاكات والتعذيب المستمر. وكشَف شهادات عديدة عن الاستخدام المتكرر للعنف الجنسي، بدرجات متفاوتة من الشدة، من قِبل الجنود أو الحرّاس كإجراء عقابي إضافي. وتحدَّث الشهود الذكور الذين أدلوا بشهاداتهم لبتسيلم عن الضرب على الأعضاء التناسلية وأجزاء أخرى من الجسم؛ واستخدام الأدوات المعدنية والهراوات للتسبب في آلام الأعضاء التناسلية؛ تصوير السجناء العراة؛ الإمساك بالأعضاء الذكرية؛ والتفتيش العاري من أجل الإذلال والإهانة. وتكشف الشهادات أيضًا عن حالات عنف واعتداء جنسي جماعي ارتكبتها مجموعة من حراس السجن أو الجنود.
في يوليو/تموز 2024، ألقي القبض على تسعة جنود بتهمة الاغتصاب الوحشي لمعتَقَل تم تصويره جزئيًا بالفيديو. وكان محتجزاً في مركز سدي تيمان، الذي وصفه أحد المحامين بأنه ”وحشي ويتجاوز الخيال“. كان الرجل يعاني من تمزق في الأمعاء، وإصابة خطيرة في فتحة الشرج، وتلف في الرئة، وكسور في الأضلاع. وتم نقله بعد ذلك إلى المستشفى، وهو غير قادر على المشي ويعاني من ”إصابات مروعة تتطلب عملية جراحية“. وفتحت الشرطة العسكرية الإسرائيلية تحقيقا في هذه القضية عندما أصبحت اللقطات علنية وتمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. اقتحمت عصابة من القوميين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين (الذين يشاركهم يوسي لانداو أيديولوجيتهم، كما هو مذكور سابقًا) المنشأة جنبًا إلى جنب مع أعضاء الكنيست، احتجاجًا على اعتقال الجنود. واندلعت نقاشات حادة في الكنيست وعلى شاشة التلفزيون الإسرائيلي حول شرعية اغتصاب ”أعداء“ إسرائيل. وقد خرج القوميون الإسرائيليون اليمينيّون المتطرفون إلى الشوارع للمطالبة بإطلاق سراح ”أبطال“ عملية الاغتصاب، وهو رأي تردَّد صداه في مختلف التيارات السياسية الإسرائيلية، حتى في الأخبار الوسَطيَّة. وقد مُنح المغتصبون وقتًا على الهواء للدفاع عن أفعالهم، وأيدت شخصيات إعلامية الاغتصاب الجماعي كسلاح ضد الفلسطينيين، الذين لا يعتبرون أحداً منهم بريئًا. وأضافت صحفيتان إسرائيليتان صوتيهما إلى هذه الجوقة، محذرتين من إقامة ”مقارنة زائفة“ مع ”الفظائع الجنسية“ التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ووجدتا أنه من ”المثير للغضب“ محاولة عل حادثة الاغتصاب هذه معادِلة للاغتصاب على يد حماس.
أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) بياناً صحفياً يتناقض مع ما تناولته وسائل الإعلام الغربية، التي تعاملت مع فضيحة التعذيب الجنسي باعتبارها انحرافاً. إن التعذيب والعنف الجنسي في سجن سدي تيمان الإسرائيلي لا يمثلان سوى قمة جبل الجليد. أولًا، إن الانتهاكات الإسرائيلية الواسعة النطاق والمنهجية ضد الفلسطينيين أثناء الاحتجاز وممارسات الاعتقال التعسفي مستمرة منذ عقود من الزمن. تذكّرنا الصحافية آزاده موافيني (السيرة الذاتية)، التي شهدت على عنف فظيع مورس ضد النساء أثناء الحروب في مختلف الصراعات التي غطتها (أفغانستان والعراق وسوريا ونيجيريا وأوكرانيا)، أن العديد من النساء الفلسطينيات، وخاصة الشابات والناشطات السياسيّات، تعرضن للإساءة الجنسية وكان ذلك جزءًا من الحياة تحت الاحتلال قبل فترة طويلة من السابع من أكتوبر: مثل وصفهن بالعاهرات وتفتيشهن عاريات عند الحواجز وهن في طريقهن إلى العمل أو المدرسة، وسحبهن من الأسرّة وسحلهن حافيات القدمين في الشوارع بملابس النوم وبدون غطاء الرأس؛ واحتجاز الحوامل أو إجبارهن على الولادة خلف جدار الحاجز؛ وتعرّضهن لتفتيش عارٍ ومهين أثناء التوقيف؛ وتعرضهن للابتزاز الجنسي عن طريق عرض صور أو لقطات فيديو لنساء عاريات أو في أوضاع مهينة لانتزاع اعتراف أو تعاون. ويقول بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن العنف الجنسي والتعذيب والمعاملة المهينة التي تعرّض لها آلاف الرجال والنساء الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم، معظمهم بدون محاكمة، تتفاقم الآن بسبب غياب أي قيود من قبل الدولة الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في الأشهر الثمانية عشر التي تلت الحرب الإسرائيلية على غزة، تفاخر الجنود الإسرائيليون علناً بكراهيتهم للنساء وشاركوا عددًا من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية التي توثّق الانتهاكات ضد الفلسطينيين، بما في ذلك نهب المنازل في غزة، وارتداء الملابس الداخلية النسائية بشكل ساخر، وتدنيس المساجد، وضرب وإذلال المعتقلين. وقد أُنتِج فيلم وثائقي مدته 90 دقيقة حول هذه الظاهرة، باستخدام لقطات مأخوذة من حسابات الجنود الشخصية على إنستغرام وفيسبوك وتيك توك ويوتيوب. ويتفاقم هذا الأمر بسبب إدراك هؤلاء الجنود أنه لن تكون هناك أي تداعيات لأفعالهم.
في مارس/آذار 2025، أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي كان قد تحدّث قبل أشهر عن انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين (كما هو موضَّح أعلاه)، تقريراً عن ”العنف الجنسي والإنجابي وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من قبل قوّات الأمن الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023“ بعنوان ”أكثر مما يستطيع الإنسان أن يتحمله.“ وخلصت اللجنة إلى أن الاعتقال الإسرائيلي يتميّز بانتهاكات واسعة النطاق وممنهجة، فضلاً عن العنف الجنسي والعنف القائم على أساس الجنس، الذي زادت وتيرته وشدّته منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بناءً على أوامر من وزير الأمن الوطني بن غفير. وقد أدى تواتر هذه الجرائم وانتشارها وخطورتها إلى استنتاج اللجنة أن إسرائيل تستخدم العنف الجنسي بشكل متزايد كوسيلة من وسائل الحرب لزعزعة استقرار الشعب الفلسطيني، والسيطرة عليه وقمعه وتدميره. ويُمارس التعذيب الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الذي يستهدف الأعضاء التناسلية، إما بأوامر صريحة أو بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية العليا. ولم يكن القصد من استخدام العنف الجنسي والعنف القائم على أساس الجنس، إذلال ومعاقبة وترهيب الأفراد الفلسطينيين فحسب، بل كان يهدف أيضًا إلى إذلال ومعاقبة وترهيب السكان المدنيين ككل.
فلسطينيون يحملون رجلاً مصاباً إثر القصف الإسرائيلي على خان يونس جنوب قطاع غزة في 1 ديسمبر 2023. مصدر الصورة: ساهر الغرة
النسويات الفلسطينيات يتحدثن علناً!
تكتب الأكاديمية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط مريم الدوسري، عن الاحتجاج الموحد وتَعاطُف النسويات البارزات في المملكة المتحدة مع النساء اليهوديات، لكنها تشير إلى عدم اهتمامهن بالعنف الجنسي الذي تواجهه النساء الفلسطينيات. والسؤال الرئيسي الذي تطرحه هو: ”لماذا لم تُثِر الاعتداءات الجنسية على النساء الفلسطينيات غضبا مماثلًا؟“ وتقول الدوسري إن ”الإبادة الجماعية في غزة سلّطت الضوء على إخفاقات الحركة النسوية، وألقت بظلال من العار عليها.“
لماذا تتجاهل النسويات روايات النساء الفلسطينيات؟ وتعتقد الدوسري أن هذا ليس فقدانًا للاهتمام بما يحدث في غزة ”بل تعامي متعمَّد – نتيجة بوصلة أخلاقية معطوبة بشكل لا يمكن إصلاحه”. إن التزام الصمت بشأن واحدة من أسوأ الفظائع المرتكبة ضد المرأة في حياتنا أمر لا يمكن الدفاع عنه. إن الصمت النسوي بشأن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ”لا يمثل خطأ أخلاقيًا فحسب، بل خطأ سياسيًا أيضًا.“ وتقول إنه في نهاية المطاف، ”يساعد التعاطف الانتقائي للنسويات الغربيات على تعزيز هياكل السلطة التي تديم دائرة العنف.“ الصمت ليس موقفًا محايدًا، بل هو تأييد سلبي للمأساة المستمرة.
عندما تتجاهل النسويات الصور المروعة القادمة من غزة، فإن ذلك يشير إلى تجريد عميق لإنسانية المرأة الفلسطينية. عندما يكون 70% من القتلى من النساء والأطفال؛ وعندما تبحث النساء الفلسطينيات بين الأنقاض للعثور على أطفالهن المفقودين؛ وعندما تحتضن الأمهات أطفالهن المتوفّين؛ وعندما تحترق الأسر حتى الموت في الخيم أثناء نومها؛ وعندما تشاهد الأمهات أطفالهن يموتون جوعًا نتيجة حملة التجويع الإسرائيلية؛ وعندما يبكي الأطفال الجوع، يصبح الصمت خيانةً للمبادئ النسوية. وترى الدوسري أن الابتعاد المتعمد عن معاناة الفلسطينيين ”يشير إلى فقدان البوصلة في الحركة النسوية“، و”يظهر أن أولئك اللاتي يقدنها، واللاتي كانت العديد منهن موضع ثقة في السابق، يضمرن العنصرية المعادية للفلسطينيين والعرب وكراهية المسلمين“. ”ولكن حتى الحد الأدنى من التوقعات ــ الاعتراف بنضالات المرأة الفلسطينية التي تعاني من التهميش المنهجي ــ لم يتحقق.“
وتشير الدوسري إلى أنه عندما تتبنى النسويات الغربيات سردية إسرائيل على أنها مجرد دولة ضعيفة ترد على الإرهاب، فإن أي انتقاد للأفعال الإسرائيلية يوصف بسرعة بأنه معاداة للسامية. إن الضرورة الأخلاقية المتمثلة في أن حماس، وليس الحكومة الإسرائيلية، هي التي تتحمل المسؤولية عن تجويع إسرائيل ومذابحها وإذلالها الجنسي وعنفها الجنسي تسهل نزع الصفة الإنسانية الكاملة عن النساء والرجال الفلسطينيين. منذ بداية الحرب على غزة، انتشرت رواية مقلقة في وسائل الإعلام الغربية، تصور إسرائيل كنموذج للحضارة مختلف تمامًا مع معقل التخلف الذي يمثله الشرق الأوسط. إن الرواية القائلة بأن إسرائيل تتمسك بالقيم الحضارية وأنها ملاذ آمن للنساء و”مجتمعات الميم” تتجلى في صورة جندي إسرائيلي مثلي الجنس منتصراً وحاملاً علم الفخر باستعراض مبالغ فيه أمام مشهد الخراب الذي أحدثه هو وزملاؤه.
إن رمزية إسرائيل كثقافة تقدّمية، ومعقل للمساواة بين الجنسين، ومساحة آمنة للمثلية الجنسية، في حين يُصوَّر الرجال الفلسطينيين على أنهم وحشيون وقمعيون تجاه النساء، تستخدم كمناورة علاقات العامة لإخفاء بعض الحقائق: إن إسرائيل ليست خالية من رهاب المثلية الجنسية، وفلسطين ليست أرضاً إسلامية أصولية، والنهج الفلسطيني تجاه المثلية الجنسية أكثر تعقيداً مما تنقله هذه الخطابات الاختزالية. وعلاوة على ذلك، توفر الذكورية المرتبطة بالحرب في إسرائيل، السياق الاجتماعي لتفاقم مشكلة العنف المنزلي القائمة أصلًا، وفقًا للمرصد الإسرائيلي لجرائم قتل النساء.
ويؤكد التجمع النسوي الفلسطيني، وهو منظمة مقرها الولايات المتحدة تضم نساء ونسويات فلسطينيات وعربيات أخريات، أن الدعاية الإسرائيلية تصور الرجال الفلسطينيين على أنهم عنيفون ورجعيون، على الرغم من أن الرجال الإسرائيليين هم الذين ينتهكون النساء جنسياً بشكل روتيني. منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تم تصوير الرجال الفلسطينيين على أنهم كارهون للنساء ووحشيون بطبيعتهم، على الرغم من أن اللقطات اليومية تظهرهم وهم ينتشلون أطفالهم من تحت الأنقاض، أو ينقلونهم بسرعة إلى المستشفيات، أو يصرخون بفجعة لرؤية جثث بناتهم المتوفيات. وفي الوقت نفسه، ترتكب الدولة الإسرائيلية (قضائها وجيشها ونظامها الجزائي) أعمال العنف الجنسي والإذلال الجنسي والتعذيب مع إفلات عالمي واضح من العقاب. إن النساء الفلسطينيات لا يطالبن النسويات الغربيات بالدفاع عنهن من رجالهن الوحشيين المزعومين؛ بل يتوسلن أي شخص يستمع إليهن، الحماية من أمراء الحروب الغربيين الذين ساهمت النسويات بنشاط في تمهيد الطريق لهم.
ويذكِّرنا التجمع النسوي الفلسطيني بأن الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب كانا ضروريين لنجاح المشروع الصهيوني. لقد كان الاغتصاب والتهديد بالعنف الجنسي يتربصان بالنساء الفلسطينيات منذ إنشاء إسرائيل وفيما بعد. بالتالي، لا يمكن فصلهما عن الاستعمار، وهو المصطلح الذي يثير حفيظة العديد من النسويات على الرغم من دقته. إن استيعاب المشروع الاستعماري الإسرائيلي أمر بالغ الأهمية لفهم الظروف التاريخية التي أنتجت وما زالت تعيد إنتاج الاضطهاد الجنسي الحالي للمرأة الفلسطينية.
يصف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي كيف تم اعتماد الإرهاب كاستراتيجية عسكرية من قبل ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل. يستشهد بابي بتوجيهات بن غوريون الصادرة عام 1948 بشأن كيفية تنفيذ العمليات ”عن طريق تدمير القرى (عبر إشعال النار فيها، وتفجيرها، وزرع الألغام في حطامها) وخاصة تلك المراكز السكانية التي يصعب السيطرة عليها بشكل مستمر… وفي حالة المقاومة، يجب القضاء على القوات المسلحة وطرد السكان خارج حدود الدولة.“
وصف بن غوريون في مذكراته أحد أقدم أسرار الدولة بأنه ”فظائع مروعة“. ففي عام 1949، أسرت وحدة من الجيش فتاة بدوية مراهقة، وتناوبت على اغتصابها حتى فقدت الوعي، ثم قتلتها. ويكتب أن هذا كان مؤشرًا على مشكلة أكبر بكثير حيث أصبحت القوات الصهيونية ”متمردة“، مشيرًا إلى أن ”الوضع في الجيش سيئ للغاية“، بما في ذلك ”النهب والاغتصاب والقتل الذي حدث أثناء الحرب“.
إن ما نسميه الآن التطهير العرقي ينطوي على النزوح القسري لـ750 ألف فلسطيني من السكان الأصليين من مدنهم وقراهم. ففي قرية دير ياسين، على سبيل المثال، قُتل ما لا يقل عن ثلاثة وتسعين قروياً فلسطينياً بدم بارد، وتعرض عددًا من النساء للاغتصاب قبل قتلهن. وكان بين القتلى ثلاثون طفلاً. وفي قرية طنطورة قُتل ما بين 110 إلى 230 رجلاً فلسطينياً، وجُمعت النساء والأطفال في المكان الذي ألقيت فيه جثث أزواجهم وآبائهم وإخوتهم القتلى. إن فظائع دير ياسين والطنطورة ليست سوى حالتين من الأعمال الوحشية المماثلة العديدة التي حدثت. وقد أثرت هذه الأحداث بشكل كبير على خوف الفلسطينيين وهروبهم من القرى الأخرى، وأدت إلى احتجاز الفلسطينيين في غزة كلاجئين دائمين.
يصف تمام محسن، الأكاديمي والصحفي الفلسطيني، كيف يجب فهم التعذيب النفسي والجسدي للسجينات الفلسطينيات منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر في السياق المستمر للإذلال الجنسي، الذي واجهته المرأة الفلسطينية في جميع جوانب حياتها منذ قيام إسرائيل، في انتهاك واضح للقوانين والاتفاقيات الدولية. لقد سار الاستيلاء على الأراضي وطرد الفلسطينيين جنباً إلى جنب مع العنف الجنسي، ومن خلال هذا المشروع حافظت إسرائيل على نظامها السياسي الخارجي منذ عام 1948.
واحتفالاً باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حث التجمع الفلسطيني النسوي، النسويات وجميع أصحاب الضمير على مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تستخدم لغة تحرير المرأة لتبرير الإبادة الجماعية والاحتلال العسكري. ولم يكن هناك أي رد من النسويات. ومن المفارقات أنه تُرك لحماس في اليوم العالمي للمرأة في العام التالي، 2025، الإدلاء ببيان عام يقدر كرامة المرأة الفلسطينية وقوتها:
[نحن] ندرك ونقدر الدور الحيوي للمرأة الفلسطينية في نضال شعبنا… لقد قدمن أفضل الأمثلة على الصمود الأسطوري والتصميم والإرادة القوية. ويواصلن تربية الأجيال وإعدادها، ودعم الحقوق والهوية الوطنية، والدفاع عن القيم، ومقاومة خطط العدو لتهجير شعبنا ومحو قضيتنا وقدسيتنا.
”لكن هل تدين حماس؟“ هذا هو السؤال الذي يطرح باستمرار على الفلسطينيين وحلفائهم الذين يسعون إلى تحرير فلسطين من الاستعمار. إن هذا السؤال لا يختصر 75 عاماً من تاريخ الاستعمار الاستيطاني في إجابة بسيطة بنعم أو لا فحسب، بل يركز أيضاً على المشاعر الفردية: يتعين علينا أن ندين الفلسطينيين قبل أن نتمكن حتى من ذكر، ناهيك عن إدانة، الهجوم الإبادي الذي أودى بحياة الآلاف. إن هذه الدعوة إلى الإدانة هي فخ ”مصمم للإيقاع بالمدانين أصلاً“. وتشير الدوسري إلى أن الصمت النسوي بشأن العنف الجنسي الذي يمارسه الجنود الإسرائيليون، إلى جانب تركيزهم على حماس، يتناقض مع المبادئ ذاتها التي تدعي الحركة النسوية أنها تتمسك بها. وتصر على أنه ”بدلاً من السؤال البالي الذي يطلب من الجميع إدانة حماس“، فإنها ”تقلب الطاولة.“ وتسأل النسويات: ”هل يمكنكن إدانة تصرفات إسرائيل والقمع المستمر للفلسطينيين؟“
الناس يودعون أقاربهم بعد تفجير منزل عائلة أبو رقب، 18 يوليو 2024. مصدر الصورة: ساهر الغرة
الانحدار الأخلاقي للنسوية
في جميع أنحاء العالم تقريبًا، وقَّعت الصحفيات النسويات الناقدات للجندر على إعلان أكتوبر. يمكن العثور على قائمة الموقعين هنا. يؤيد الموقعون التفسير الذي قدمه أصدقاء إسرائيل البريطانيون: كان يوم 7 أكتوبر ”هجومًا إرهابيًا وحشيًا“ على ديمقراطية غربية متحضرة ”أدى إلى القتل والتعذيب والاغتصاب والاختطاف“. إن أي فشل في ”استخدام اللغة الصحيحة“، على سبيل المثال، من خلال وصف حماس بأنها ”مسلحة“ أو ”مقاتلة“، ”يخلق انطباعاً خاطئًا بأن حماس والقوات المسلحة الإسرائيلية متكافئتان أخلاقياً“. لقد قُتل عدد أكبر من اليهود في ذلك اليوم مقارنة بأي يوم آخر منذ الهولوكوست. إن تصرفات حماس ”أدت بشكل مباشر وغير مباشر إلى مقتل مأساوي للمدنيين الفلسطينيين“. وغردت جولي بيندل عن سبب توقيعها: ”حان الوقت لاتخاذ موقف من أجل الحضارة“.
وتعترف نيكول لامبرت بأنها تشعر بالغضب تجاه تلك المنظمات التي تزعم أنها تعتبر حماس ”مقاتلين مقاومين“. وتتهم الأمم المتحدة بتشجيع حماس، بدءا بالأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي تزعم أنه قدم المساعدة للإرهابيين بقوله إن مذبحة السابع من أكتوبر ”لم تحدث في فراغ“. كما تتهم الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي دعمت الإغاثة والتنمية البشرية للفلسطينيين منذ عام 1948 عندما أصبحوا لاجئين) بإدامة حرب إسرائيل من خلال وصف أحفاد أولئك الذين ”غادروا“ إسرائيل في عام 1948 بـ”اللاجئين“ وتشجيع أحلامهم العقيمة في ”حق العودة“. علاوة على ذلك، تنتقد الجمعيات الخيرية النسائية (التي لم تذكر اسمها بعد) بسبب النفاق، مشيرة إلى فشلها في التحدث علنًا ضد العنف الجنسي المرتكب في 7 أكتوبر، والذي أعاد الحركة النسوية عقودًا إلى الوراء.
تعارض الصحافية والناشطة الناقدة للجندر هيلين جويس، مديرة المناصرة في منظمة Sex Matters [الجنس مهم] _ كما أعارض أنا_ رؤية الفيلسوفة جوديث بتلر بأنه يمكن للرجل أن يصبح امرأة إذا عرّف عن نفسه كذلك. علّقت جويس قائلةً إن آراء بتلر بشأن حماس ”بغيضة وتفوق الكلمات“. ووصفت بتلر أحداث السابع من أكتوبر بأنها تُفهم أفضل بأنها ”ليست معاداة للسامية ولا شكلاً من أشكال الإرهاب، بل هي ”مقاومة مسلَّحة“ للحكم الاستعماري والفصل العنصري وانعدام الجنسية.“ وتشير إلى أنه عند مناقشة حماس، من المناسب تماماً أن نتذكر العنف التاريخي والمستمر الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. تتجاهل جويس السياق التاريخي الذي تشير إليه بتلر وتختار تسليط الضوء على اغتصاب حماس باعتباره الرعب المطلق، وتعطيه أهميّة على مذبحة المدنيين على يد حماس (والجماعات المتمردة الأخرى) وعلى يد الجيش الإسرائيلي. ترد على بتلر بالسؤال: ”الاغتصاب باعتباره انتفاضة؟“
وبالمثل، توضح جانيس تيرنر وجهة نظر النسويات الفلسطينيات بأن النسويات الغربيات غير حساسات تمامًا للسياق التاريخي الفلسطيني. النكبة (الكارثة) هو المصطلح الذي يستخدمه الفلسطينيون للإشارة إلى عمليات الطرد القسري والمذابح والاغتصاب التي ارتكبتها الميليشيات الصهيونية في عام 1948 والاحتلال المستمر. تقول جانيس تيرنر إنه على الرغم من صدمتها إزاء قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين واستيلاء المستوطنين على الأراضي العربية، فإن سياق الاحتلال غير القانوني ”ليس له صلة“ بالاغتصاب الذي تمارسه حماس لأن ”مبدأ عالمي واحد يتجاوز كل شيء آخر: إن الاغتصاب كسلاح في الحرب يعد جريمة ضد الإنسانية.“ إن تركيزها الوحيد على الاغتصاب يستهلك كل شيء لدرجة أنها تعتبره جريمة حرب وجودية. وفي المقابل، تشكل حرب إسرائيل على السكان المدنيين، بما في ذلك قتل آلاف الأطفال، جرائم حرب ضد الإنسانية بغاية الفظاعة لدرجة أن محكمة العدل الدولية (ICJ)، أعلى محكمة في العالم، قضت بأن نتنياهو مجرم حرب.
وتوضح أولويات تيرنر ما يحاول الفلسطينيون تذكيرنا به، لكن صرخاتهم لا تلقى آذاناً صاغية. إن النسويات المؤيدات لإسرائيل يدركن تمامًا أهمية الهولوكوست، ويجدن في ذكرى هذا الحدث التاريخي دافعًا للهجوم الإسرائيلي على غزة. وعلى النقيض من ذلك، فإنهن لا يتجاهلن أهمية النكبة بالنسبة للفلسطينيين فحسب، والتي تستمر أهوالها في الظهور في الوقت الحاضر مع الإفلات المطلق من العقاب الذي يمنحه الزعماء الغربيون للمشروع الصهيوني، بل إنهن ينتقدن أولئك الذين يضعن الدافع الفلسطيني لسبعة أكتوبر/تشرين الأول ضمن منظور تاريخي باعتبارهم معادين للسامية.
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، انتقدت جولي بيندل ”من تُسمى بالنسويات“ اللاتي لم يؤيدن حملة أنا أيضاً لتخليهن عن المبدأ النسوي القائل بأن الاغتصاب هو اغتصاب، بغض النظر عن الضحية أو الجاني. وكتبت: ”الاغتصاب هو اغتصاب، سواء كنت تحبين الضحية أم لا، والمغتصب هو مغتصب، حتى لو كنت تدعمين قضيته“. لقد تراجعت عن مبادئها. ولم تدين بيندل ولو مرة واحدة الجنود الإسرائيليين المغتصبين، على الرغم من أنها تدعم قضيتهم الأيديولوجية الصهيونية.
وإلى جانب الصمت بشأن الاغتصاب، تتجاهل النسويات الضرر الجنسي والإنجابي الكبير الذي تواجهه المرأة الفلسطينية والذي يوضحه تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان لعام 2025. في الحياة اليومية للمرأة الفلسطينية في غزة، تتزايد أهمية الجنس البيولوجي في ظل ظروف الحرب. فلقد ألحق تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة – والذي تفاقم بسبب نقص المياه والوصول إلى مرافق الصرف الصحي – أضراراً جسيمة بالنساء، مما أثر على جميع جوانب الإنجاب، بما في ذلك الحمل والولادة والتعافي بعد الولادة والرضاعة وعدم القدرة على إدارة النزيف والحيض بعد الولادة بشكل صحي وبكرامة.
ومن المخزي أن تلتزم النسويات الصمت، عندما يثبت خطأ تكهناتهن بشأن حماس وتتناقض الأدلة اللاحقة مع آرائهن. وبعد نشر معلومات مضللة حول حفلة اغتصاب منظمة ومنهجية، لم يتراجعوا عن ادعاءاتهم في ضوء التحقيق الذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في عام 2024، والذي أفاد بأنه لا توجد امرأة إسرائيلية ضحية اغتصاب يمكن فتح تحقيق بشأنها. كما أنهن، بالمناسبة، لم يذكرن أن رئيس زاكا نفسه كان مشتبهاً به في قضايا اغتصاب متعددة.
ثبت كذب الرواية حول الجندية نعمة ليفي، التي أصبح سروالها الرياضي الملطخ بالدماء الرمز الرئيسي والدليل القاطع على ”الاغتصاب الجماعي“ الذي مارسته حماس في مهرجان نوفا. كانت سراويلها ملطخة بالدماء من نزيف في يديها، الموثقتان خلف ظهرها أثناء جلوسها. ومن المعروف الآن أن الحكومة الإسرائيلية وعائلة ليفي كانوا يعرفون دائمًا أن هذا هو الحال. لم تتراجع أي ناشطة نسوية عن تصريحاتها بهذا الشأن. ولم تعد النسويات اليهوديات اللاتي أنشأن حملة أنا أيضاً يطالبن، كما فعلن في وقت سابق من بيانهن، المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بالتحقيق في الاغتصاب باعتباره جريمة حرب متميزة، ربما لأنهن يخشين توجيه الاتهام إلى إسرائيل نفسها.
في حين تنتقد النسويات الهوية الجندرية وتدين الرجال المتحولين جنسياً الذين يرتدون ملابس نسائية عتبار ذلك محاكاة ساخرة ومعادية للنساء، لم تُعلّق أيٌّ منهنّ على صور السيلفي المشينة التي التقطها جنود إسرائيليون وهم يرتدون ملابس داخلية نسائية وألسنتهم تتدلى أو وهم يعلقون الملابس الداخلية على جدران غرف النوم في المنازل التي نهبوها أو دمروها جزئيًا، والتي تعود لنساء فلسطينيات تم تهجيرهن للتو من بيوتهن أو قُتلن.
يكرر حرس الحدود الإسرائيليون الآن الممارشات نفسها أثناء غزوهم لمخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة.
في حين تنتقد النسويات الهوية الجندرية وتدين الرجال المتحولين جنسياً الذين يرتدون ملابس نسائية باعتبار ذلك محاكاة ساخرة ومعادية للنساء، لم تُعلّق أيٌّ منهنّ على صور السيلفي المشينة التي التقطها جنود إسرائيليون وهم يرتدون ملابس داخلية نسائية وألسنتهم تتدلى أو وهم يعلقون الملابس الداخلية المعلّقة على جدران غرف النوم في المنازل التي نهبوها أو دمروها جزئيًا، والتي تعود لنساء فلسطينيات تم تهجيرهن من بيوتهن أو قُتلن.
دعا في الأصل البيان التأسيسي لنسويات ”أنا أيضاً“ ”الإنسانية في جميع أنحاء العالم إلى التحدث!“ وأشار إلى أن ”حياة كل امرأة ثمينة بنفس القدر“. وأكد أنه ”لا ينبغي استبعاد أي جانب من أي قصة عمداً“. هناك مفارقة مظلمة رهيبة في هذه التصريحات. فكل ما فعله السياسيون والمعلقون الثقافيون التحدث علناً ضد الاغتصاب المنهجي غير المثبت ضد النساء اليهوديات. ولم تتحدث الإنسانية قط عن الاغتصاب المنهجي الموثَّق جيدًا والاعتداء الجنسي على النساء الفلسطينيات، سواءً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر أو بعده. فما هو الأمل إذن لدى المرأة الفلسطينية في الإنسانية عندما تشيح النسويات وجوههن عن اغتصابها؟
قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي تعليقها على هشاشة سياسات الهاشتاغات النسوية، كتبت جولي بيندل: ”اعفوني من نسوية الهاشتاغات.“ ”إن الهاشتاغات كلها جزء من النسيج الغني للتواصل، ولكنها لن تنهي العنف الذكوري أو تحقق العدالة للمرأة“. كم كانت على حق! بعد 7 أكتوبر، أيَّدَت نفاقًا هاشتاغ #Me_Too_Unless_Ur_A_Jew. الذي لم يوقف العنف الذكوري، بل ساعد في التحريض عليه، ليس في فلسطين فحسب، بل في إسرائيل أيضًا. كما أنه لم تتحقق العدالة الاجتماعية للمرأة الفلسطينية. تزعم لامبرت أن ما أعاد الحركة النسوية إلى الوراء عقودًا من الزمن هن النسويات ”المؤيدات لحماس“. أنا أزعم أنه إذا كانت الحركة النسوية قد تعرضت لانتكاسة، فذلك من قبل الصحافيات النسويات والمعلقين الثقافيين مثلها الذين يستشهدون بالاغتصاب ليس لقمع الصراع أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار ولكن لتأييد حرب الإبادة الجماعية حيث كان الاغتصاب رافعة محوريةً فيها.
لذا، أقول لصحفيين مثل باري وايس، وهادلي فريمان، ونيكول لامبرت، وجانيس تيرنر، وجولي بيندل – الصحفيات اللاتي يزعمن أنهن يكشفن حقيقة السياسات الجنسية وسلطة الذكور – لقد فشلتم فشلاً ذريعاً! إن الاغتصاب الذي تركتموه دون حديث عنه هو اغتصاب نساء فلسطينيات، وقد تم توثيق الأدلة على ذلك بدقة من خلال تحقيقات الأمم المتحدة، أو منظمات مثل بتسيلم، أو وسائل الإعلام البديلة. إن الهاشتاغ النسوي الأكثر دقة وموضوعية وبالتالي أخلاقية الذي يجب الترويج له، إذا كنتن تصررن على اختصار السياسة والتحليلات النسوية بالشعارات، كان ينبغي أن يكون: ”#أنا_أيضاً إلا إذا كنتِ فلسطينية.“
مع ”نسوية“ مثل نسويتهن، من يحتاج إلى كراهية النساء؟
موقع مهرجان موسيقي حيث تناثر الحطام بين الأشجار في بيري بإسرائيل في أعقاب 7 تشرين أول/أكتوبر. وزعم المحققون أنهم جمعوا ”عشرات الآلاف“ من الشهادات عن العنف الجنسي الذي ارتكبته حماس في ذلك اليوم، لكن في يناير/كانون الثاني 2025، اعترفت المدعية العامة الإسرائيلية موران جيز بعدم وجود مشتكين يزعمون الاغتصاب أو العنف الجنسي. مصدر الصورة: سيرجي بونوماريف
2. وردت في النص الإنكليزي Sexed bodies.